تقرير حول ندوة الرباط 17فبراير2012
“من أجل قانون إعلامي جديد بالمغرب: وجهات نظر متقاطعة“
. نظم المركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان والإعلام، بشراكة مع “معهد التنوع الإعلامي بلندن و”مؤسسة هانس سايدل الألمانية” وبتمويل من “مفوضية الاتحاد الأوربي بالمغرب”، ندوة بالرباط بعنوان: ” نحو قانون إعلامي جديد بالمغرب: وجهات نظر متقاطعة”، تحت شعار ” من أجل قانون جديد للإعلام في ظل الشرط السياسي الراهن” يوم 17فبراير2012، حيث استهدفت بالأساس توسيع النقاش حول مشروع قانون الإعلام بالمغرب على ضوء التغييرات السياسية والدستورية الجديدة انطلاقا من تصورات الفاعلين والأكاديميين؛ علما أن هذه الندوة هي حلقة أخرى من حلقات برنامج الشراكة الذي انطلق منذ سنة2011 ويمتد إلى سنة2013، والذي يروم تشجيع الحوار العمومي حول مستقبل الإعلام المغربي، من خلال استهداف مختلف العاملين في الحقل الإعلامي ومنظمات المجتمع المدني المعنية.
وقبل أن يعطي الكلمة لباقي المتدخلين، افتتح “د.علي كريمي” مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان والإعلام، الندوة مرحبا بالحضور، ومذكرا بالسياق الذي تندرج فيه؛ ثم بسط الأرضية للنقاش متحدثا عن التطور القانوني الذي عرفه حقل الإعلام بالمغرب منذ بداية الستينات إلى حدود سنة2002، علما أن قانون الصحافة الذي صدر سنة 1958 هو قانون ليبرالي، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في سلسلة من الجوانب والثغرات التي يجب تجاوزها من أجل ترميم القانون المنظم للإعلام في المغرب، وفي هذا الإطار ركز “كريمي” على أهمية إنشاء مجلس وطني للإعلام، وعلى أن يكون هناك قانون شامل على صورة مدونة للإعلام تشمل الصحافة المكتوبة والسمعية والبصرية والصحافة الإلكترونية مع التنصيص على الصحافة الاليكترونية بدل التنصيص على وسيلة اليكترونية، وهو جانب تنظيمي مهم، وأن يحمي الصحافيين من المتابعة بالقانون الجنائي، هذا إلى جانب ضرورة وجود قضاء خاص للبث في قضايا الإعلام والاتصال؛ ويبدو أن التعديل الدستوري الجديد بالمغرب يتيح فرصا جديدة يمكن الاستفادة منها لبلورة قانون جديد للإعلام يتلاءم مع الظرفية الراهنة؛
لا شك أن التغيرات الحاصلة في الوقت الراهن تجعل الحقل الإعلامي في المغرب ضمن الأولويات التي تستدعي الإهتمام، فالدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام في التحولات التي عرفها العالم العربي لدليل على ذلك خصوصا الدور البارز الذي لعبه الإعلام الاليكتروني في التعريف بقضايا الشعوب؛ وهو ما عبرت عنه ممثلة مؤسَسة “هانس سايدل” في قولها: “في ظل الدستور المغربي الجديد أضحت وسائل الإعلام تحظى بأهمية بالغة…، فلا بد من أن يساير الإعلام التطورات في ظل الإصلاحات السياسية والدستورية التي يشهدها المغرب”؛
وقد أكد “ذ. محمد الوافي”، الكاتب العام لنقابة مهني القناة الثانية، بدوره، أن المغرب أضحى يحتاج إلى مراجعة قوانين الإعلام بشكل عام خصوصا بعد النص القانوني الدستوري الجديد، الذي يقر بضمان تداول المعلومة وحق المواطنين والمواطنات في الوصول إلى المعلومة؛ كما أثار “الوافي” مسألة وجود ترسانة من القوانين التي تضيق الخناق على “رقبة” حرية التعبير خصوصا بعد إصلاح 1973 و2002، وتعيق الممارسة الصحفية المهنية، معتبرا أن هذا القانون أصبح متجاوزا نظرا للتطور التكنولوجي السريع، مؤكدا على أنه من أجل أن تكون النصوص القانونية أكثر تقدما وليس العكس، لابد من نضال المهنيين وتضافر الجهود من كل مكونات المجتمع من أجل فرض إصلاح تقدمي لقوانين الإعلام؛
أما “ذ.عبدالحق لشكر”-صحفي في جريدة أخبار اليوم-، وفي سياق حديثه عن إشكالية الصحافة في المغرب، فقد تساءل عن مدى جدوى إصلاح قانون الصحافة في ظل عدم احترامه وتطبيقه؛ واعتبر أن وجود المجلس الوطني للصحافة سيكون ايجابيا بالنسبة للصحفي، إلا أنه قد حذر من أن يتحول هذا المجلس إلى أداة رقابة على الصحفي وذلك حسب ما تنص عليه بنود هذا المشروع الذي تقدمت به الحكومة والذي مازال في طور النقاش، كما أكد على أن حرية التعبير والصحافة يرتبط بهما إصلاح العديد من المؤسسات، وتتمثل في وجود قضاء مستقل ومتخصص في قضايا النشر، مبررا ذلك بكون القضاة غير المتخصصين في هذا الميدان لا يعلمون مقتضيات قانون الصحفي المهني؛
وباستحضار ظروف نشأة الهيئة العليا للسمعي البصري ودورها في آلية الضبط والتقنين التي تطرق لها “ذ. عبد العزيز النويضي”- أستاذ قانون وخبير في شؤون الإعلام-، وقف هذا الأخير عند جملة من النواقص التي تعتري هذه المؤسسة، حيث أشار إلى تحويل المرفق العمومي للإعلام السمعي البصري من مرفق محايد يخدم تكوين مواطن ورأي عام متنور إلى مرفق يخدم السلطة السياسية التي تحتكر مركز القرار، بالإضافة وجود فساد كبير في القطاع السمعي البصري والمتمثل في تهميش الصحفيين والتقنيين العاملين في القنوات لفائدة شركات خاصة من المقربين والزبناء، مضيفا أن الهيأة العليا للسمعي البصري لا دخل لها في التعيينات في مؤسسات القطب العمومي على غرار ما هو معمول به في فرنسا؛ وللحد من هذه الظاهرة، دعا “النويضي” إلى ضرورة تشكيل لجنة برلمانية خاصة للتحقيق في هذه الخروقات من أجل الحد من هذا الفساد المنتشر في القطاع السمعي البصري، بالإضافة إلى تأكيده على النضال من أجل مواجهة الإختلالات والتجاوزات، واحترام الدولة لدستور.
ولم يخلو النقاش من الحديث عن الحق في الوصول إلى المعلومة الذي أصبح يحظى كذلك بأولوية بالغة تحيل إلى ضرورة توفير قوانين واضحة المعالم من شأنها أن تساهم في ترسيخ مبادئ الديمقراطية، إنها ضرورة ملحة لاسيما أمام الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي؛ وعلى العموم، وبعد توسيع دائرة النقاش لتشمل آراء الحاضرين في المائدة المستديرة، ومن أجل أن يساهم الإعلام في بناء الديمقراطية، استقرت وجهات النظر على ما يلي:
– حتمية تفعيل مسألة صياغة قانون إعلام يعكس ويلامس جوانب مهمة من حياة الفاعلين والممتهنين للصحافة بالمغرب لأنه لا يمكن استمرار العمل الصحفي الجاد في ظل تعدد القوانين وقلة خبرة الفاعلين؛
– ضرورة توضيح المسافة الفاصلة بين حرية الصحافة والفوضى؛
– ضرورة وجود قضاء خاص للبث في قضايا الإعلام والاتصال؛
– التأكيد على أهمية تنظيم مناظرات لفهم العلاقة بين المجتمع والإعلام، وخلق حوار وطني للخروج بتوصيات وتفعيلها؛
– التأكيد على أهمية الإعلام البديل ودوره في خلق النقاش العمومي وسهولة التواصل، والبحث في سبل تقنين حقوقه وواجباته؛
– ضرورة محاربة انتشار الفساد في جل القطاع وتجاوز رداءة المنتوج وضعف المضمون؛
– ترسيخ أسس الحكامة وحقوق الإنسان في قطاع الإعلام ومعرفة الحقوق والواجبات، والدعوة إلى أن يتحمل الجميع مسؤولياته في هذا المجال لكشف المستور والمخفي من الإختلالات والتجاوزات في مجال الصحافة.
وبعد الانتهاء من النقاش البناء الذي عرفته الندوة، اختتمت أشغال المائدة المستديرة بحفلة شاي، على الساعة 19h. 30.