في سياق جد دقيق يعرفه بلدنا حول الماء،نظم الفضاء الوطني للسياسات العمومية بشراكة مع المركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان والإعلام مائدة مستديرة إتخذت كعنوان:
“السياسة المائية بالمغرب التحديات والخيارات”.
أُفتتحت هذه الندوة بقراءة الفاتحة على روح الفقيد “بلعيد بويميد”، ثم أُعطيت الكلمة للأستاذة “رشيدة المرابط” بعد أن وطّأ الأستاذ “المختار طبيطبي” لتقديم السياق العام الذي تعرفه بلادنا بخصوص ندرة الذهب الأزرق(الماء)، الذي لا يُعتبر-من وجهة نظره-مجرد خصاص طبيعي، بل يَتعدّاهُ إلى سوء تدبير بَيِّن لا يَرْتكِنُ إلى إنتظارات المغاربة.
وقد استرسلت الأستاذة في تبيان ضرورة البحث العلمي سيما مع وجود مظاهر الأزمة المائية ببلدنا المتّسمة بالندرة والإجهاد. إذ ساهم في ذلك الموقع الجغرافي الذي يتواجد به المغرب وكذلك إرتفاع درجة الحرارة وتغيير جغرافية التساقطات، وبالتالي أردفت الأستاذة “المرابط” بضرورة إعادة النظر في الإختيارات الزراعية وكذلك وُجوب إدارة الموارد المائية بناء على الذكاء الصناعي وإتخاذ تحلية مياه البحر كآلية لتجاوز الخصاص المائي ببلدنا.
وبعد أخذه الكلمة، تناول الأستاذ “مبارك أفكوح” الأسس القانونية للحق في الماء، فتحدث عن المادتين 11 و12 اللتين تُوَطنان للحقوق المتعلقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والإقتصادية والسياسية.
كما تحدث كذلك عن 52توصية أتى بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الشأن.
وأوضح كذلك الأستاذ “أفكوح” بضرورة تنزيل السياسات العامة التنزيل الصحيح في السياسات العمومية حتى يتسنى توضيح الرؤى الصائبة وتحقيق الإنتظارات المرجوة.
وبعد أخذها الكلمة، تحدثت الأستاذة”أميمة خليل الفن” عن ضرورة الإلمام الشامل بالإشكالية وكذلك وبأن لدى المغرب مناخا جافا وشُحا كبيرا في التساقطات مع إرتفاعات ملحوظة في درجات الحرارة،و تساءلت هل الإشكالية إشكالية موارد طبيعية أو إشكالية هيكلية أم إشكالية تدبير وحكامة.
وتساءلت أيضا هل 22مليار مكعب قادرة على تغطية الطلبات كما كان الشأن في الخمسينيات والسبعينيات سيما وأن نسبة التمدن التي بلغت 67% تتطلب موارد مائية تستجيب لهذه النسية التي في تصاعد.
وقالت الأستاذة “الفن” بأن تخصيص 87% من الماء الموجهة كلها إلى الفلاحة هو ضرب من التخبط غير المبني على أسس سليمة، إعتباراً بأن المغرب -في نظرها- ليس بلدا فلاحيا بالنظر إلى حجم الواردات الفلاحية الكثيرة..
وبالتالي فهذا المُخَصّص المئوي هو ضرْبٌ من التناقض الذي يجب إعادة النظر فيه حتى يتم إستغلال الماء الإستغلال الصحيح و السليم..
وأضافت الأستاذة “أميمة” بأن “المخطط الأخضر” هو مخطط فاشل بكل المقاييس ويعكس سياسة الحكومة البعيدة عن إنتظارات المواطن..
من جملة هته التناقضات إقحام هذا المخطط في مناطق لا تتطابق مع الغاية من هذا الأخير و هذا إستنزاف للفرشات المائية بكل تأكيد. وبالتالي يجب إحترام الخصائص المجالية في هذا الشأن.
في المداخلة الرابعة، تحدث الأستاذ “أشرف حكيم” عن وجود إشكالية مركبة مُتفتّقة عن إرتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الأنشطة وبالتالي يجب وضع مقاربة شمولية كخيار بديل لا يقبل التجزيء.
وقد قدم الأستاذ “أشرف” مجموعة من الأرقام تعكس الندرة التي تعرفها الفرشات المائية وكذلك السبل الناجعة لتخطي التخبطات غير الناجعة التي تعرفها السياسة المالية التي تتسم بنقص كبير في المعلومة..
كما تحدث الأستاذ “أشرف” عن الجانب التوعوي، إذ يومن بأن التوعية هي من بين الرهانات للحفاظ على الماء. وتحدث كذلك على البنيات التحتية التي تتجلى في سياسة السدود التي تبلغ 153 سدا كبيرا، هناك أيضا 141سدا صغيرا ومتوسطا. يقول الأستاذ “أشرف” هي التي إعتمدها الملك الراحل الحسن الثاني إذ كانت بحق سياسة ناجعة ساهمت بشكل كبير في ترشيد إستغلال الماء الإستغلال المعقلن.
في ما تحدث الأستاذ “الطاهر شاكر” عن التدبير المجالي والتوازنات الإيكولوجية والغطاء النباتي الذين لهم علاقة بالماء.
وبالتالي-حسب الأستاذ “شاكر” يلزم وجوب إعتماد زراعة ملائمة حسب طبيعة التربة المزمع الزراعة فيها.
وتطرق الأستاذ “شاكر” إلى مسألة محورية تستدعي التأمل وهي بأن العِلم المغربي يُصدَّر ولا يُستثمَر وخير دليل على هذا هو أن علماءنا رائدون في مجالات عدة ولا تُعطاهم الفرصة لتحقيق ذلك في بلدهم الأم.
وأردف الأستاذ “شاكر” بأنه شخصيا كان من بين أطر عدة يتبعون طريقة الإستمطار في عرض البحر وكانت تجارب ناجحة، وبالتالي نجاح التجارب ليس بِبَعيد عن أطرنا الوطنية، تلزم فقط الإرادة لذلك.
وفي عرضه الكرونولوجي، أوضح الأستاذ “شاكر” بأن الفضل في إخراج قانون الماء يعود للجنرال “ليوطي” الذي كان سببا كذلك لإدخال التحفيظ العقاري حيز التنفيذ بالمغرب على غرار التجربة الأسترالية وذلك سنة1913.
وفي حديثه عن المجلس الأعلى للماء والبيئة والمخطط الخماسي والحديث كذلك عن الأحواض المائية كحوض نكور وحوض اللوكوس والسدود فهي تدابير ناجعة للخفاظ على الماء، لكن عقليات التسيير تقف عقبة أمام الإنتظارات المُعوَّل عليها
إذ أن تسييس قطاع الماء يَحُول دون تفعيل تلك الإنتظارات، ناهيك على أن المسيرين لا يَمُثُّون لعالم الفلاحة بأي صلة وهذا ما يحيلنا على سؤال الإرادة بشكل كبير.
جمال فكري: الكاتب العام للفضاء الوطني للسياسات العمومية.