النظام القانوني للصحافة الالكترونية العربية رؤيا تقييمية

11 ديسمبر 2017
النظام القانوني للصحافة الالكترونية العربية رؤيا تقييمية

النظام القانوني للصحافة الالكترونية العربية رؤيا تقييمية

الدكتور علي كريمي

أستاذ بكلية الحقوق الدار البيضاء

مقدمة:

البحث في موضوع النظام القانوني المؤطر للصحافة الالكترونية على المستوى الإقليمي العربي، لا يستقيم الخوض فيه، إن لم يتم استحضار الشروط التي ساهمت في انتشار هذه الصحافة في جل الدول العربية بصورة سريعة ومذهلة، خاصة مع نهاية القرن المنصرم وبداية الألفية الثالثة، ثم ان  استيعاب عمق وروح هذا الإطار القانوني محفوف بصعوبات جمة ، ما لم يكن الذي يبحث فيه مسلحا بعدة معرفية قد تسعفه على تجاوز ظاهر الظاهرة القانونية،و تساعده على اقتحام سبل النفاذ إلى عمقها، بغية إدراك لماذا جاءت مصاغة على الشكل والصورة التي هي عليها. إن الباحث الذي تحدوه مغامرة النبش في هذا الحقل الشائك، والمحصن والمطوق بأحزمة من الصعوبات والعراقيل يفترض فيه أن يكون منفتحا على حقول معرفية أخرى، و أن  يكون  مطلعا على تخصصات متعددة ذات الصلة بالموضوع، من قانون دولي للإعلام، وقانون دولي للانترنيت وقانون حقوق الإنسان، وقانون الجرائم الإليكترونية… الخ.

كما يستدعي البحث في الموضوع جرعة زائدة من الجرأة المصحوبة بالمغامرة، تساعد  الباحث فيه على رسم ملامح اللحظات الأولى التي انفتحت فيها الدول العربية على تكنولوجيات الإعلام الحديثة. وكيف أن استخداماتها قد تسببت لها في كم هائل  من المشاكل، ما فرض عليها اللجوء إلى تقنينها تحت مبرر اعتداءاتها على النظام العام وعلى الأسس السياسية والدينية للدولة، وانتهاكها للحياة الخصوصية واستخدامها في الإرهاب ودعارة الأطفال1… الخ، إن التقنين إياه، بدأ متدرجا ومرفقا بحذر شديد، فاعتبر في كثير من الأحيان غير ذي جدوى، على أساس أن هذه التكنولوجيات لا تعترف لا بالحدود، ولا بمنطق السيادات، ولا حتى بسيادة القانون ذي البعد الوطني المحلي. إنها تستطيع بكل يسر التخلص من مضامينه،وتجاهل قواعده,ذاك ما  يطرح مدى نجاعة التنظيم القانوني للانترنت، وفي صلبه الصحافة الالكترونية؟

تجدر الإشارة هنا إلى أهمية استحضار بعض ملامح اللحظات الحاسمة من مسار تطور تكنولوجيات الإعلام وكيف تأثرت الدول العربية بها، في ظل النظام العالمي الجديد، الميسر لانتشار فكر الليبرالية المتوحشة، واندراج هذه التكنولوجيات فيها بشكل لا رجعة فيه مع مشروع “الكور”2 .

1) تأثرت الدول العربية بمشروع “الكور” حول الطرق السيارة للانترنت المقدم في سنة 1992. شقّ هذا المشروع سبل تطوره بشجاعة وتفاؤل و بجرأة منقطعة النظير، إذ أخرج هذه التكنولوجيات من دهاليز المختبرات العلمية التابعة للمؤسسات العسكرية، وخلّصها من قبضة  الاستخدامات المخابراتية العسكرية والأمنية ونقلها إلى الاستخدامات المدنية. وكان من نتائج ذلك أن استفادت الدول العربية من هذا التحول.

من المؤكد ان هذه الدول أو على الأقل بعضها، أدركت منذ زمن بعيد أهمية تأثير تطور تكنولوجيات الإعلام على حقوق الإنسان، و خاصة على الحق في الاعلام وفي  حرية الرأي والتعبير. لقد كانت لها مساهمات محترمة؛ في ذاك النقاش الخجول والأولي المفعم بالتردد والحذر، خلال المؤتمر الأول لحقوق الإنسان بطهران سنة 31968، والذي خصصت إحدى ورشاته لموضوع “تأثير التطور التكنولوجي على حقوق الإنسان”.

وعلى العموم، فإن الإطار القانوني المنظم للصحافة الإلكترونية، تتضارب إزائه مواقف الدول وتوجهاتها، وهذا إشكال يؤرق فكر الباحث في هذا الحقل المعرفي السريع التطور، المستجد التقنين الغير المواكب لتأطير الظواهر الناشئة عنه. فكلما تم تقنين بعض هذه الظواهر كلما ظهرت الحاجة إلى تقنين ظواهر أخرى أكثر عددا وأشد تعقيدا.  نحن إذا أمام حقل معرفي يتجدد باستمرار، الشيء الذي يجعل المواكبة القانونية له ضعيفة الفائدة وغير مسايرة لتطوره، إذ ما أن يوضع قانون حتى يتم تجاوزه بفعل التطور التكنولوجي السريع.

– في ظل هذا الواقع يطفو إشكال آخر على السطح  ليعقد التحليل ويضببه، والأمر هنا يتعلق بكون الإعلام الإلكتروني، يسري عليه في بعض الدول ما يسري على الإعلام المكتوب، وهذه الظاهرة نجدها متوالية في قوانين سلسلة من الدول العربية مع تفاوتات في التعامل التنظيمي معها. فإذا رجعنا مثلا إلى التشريع المغربي لسنة 2002 وهو المطبق حتى الآن، نجد به إشارات خجولة تهم الإعلام الإلكتروني، وغالبا ما تصادفنا في مختلف بنوده ،هذه  العبارة اليتيمة والوحيدة “… أو بكل وسيلة الإلكترونية”4 عند الحديث عن التحريض على ارتكاب الجرائم، أو المساس بالحياة الخصوصية للآخرين… الخ، هذا ليس قصرا  ولا حكرا على التشريع المغربي بوحده بل يكاد يكون معمما على بقية تشريعات الدول العربية الأخرى، ولذالك  يظل عمق الأشكال هنا، مجسدا ومحصورا في ما يهم التطور القانوني الذي حصل ما بين  الإشارة الخجولة للوسائل الإلكترونية في قوانين الإعلام،  وبين  تخصيص أبواب تنظم الإعلام الإلكتروني، بعد استخدام المواقع الإلكترونية كجرائد إعلامية، ما أدى إلى تطور في هذا الشأن في جل القوانين المنظمة للإعلام في الدول العربية، فانتقلنا من الإشارات الباهتة وغير الدقيقة إلىإفراد قسم أو باب للإعلام الإلكتروني، في قانون الطباعة والنشر [ في المغرب وفي الجزائر] أو وضع قانون خاص بالإعلام الإلكتروني [ السعودية-]6. وهناك دول أخرى تؤكد على حرية الإعلام الإلكتروني في بنود دساتيرها بغية إعطائها قيمة قانونية أسمى [ مصر- تونس]7. هذه التجارب سيتم النظر في تطورها، مع التشديد على أهميتها، وعلى أهمية السياق السياسي الإقليمي العربي، والوطني الداخلي، والدولي، الذي صيغت فيه.

يقتضي البحث في الإطار القانوني للصحافة الإلكترونية العربية “استحضار كيف تعاملت القوانين الخاصة بالإعلام والاتصال مع تكنولوجيات الإعلام، وما هي اللحظة التي بدأت فيها هذه الدول في تقنين هذه التكنولوجيات؟ وما علاقة الإطار القانوني لصحافة الإلكترونية بالصحافة التقليدية؟ وهل ما ينطبق على الصحافة الورقية والسمعية البصرية  من ضوابط ينطبق على الصحافة الإلكترونية؟ أم أن لهذه الأخيرة قانون خاص بها؟ ألم يكن الجزء الأساسي من  الاطار القانوني المنظم للصحافة الإلكترونية العربية، مضمن في صلب تشريعات مكافحة الجريمة الالكترونية على المستوى العربي وعلى مستوى كل دولة عربية على حدة.

أهمية الدراسة:

تتجلى أهمية هذه الدراسة في كونها تطمح إلى وضع اليد على مسار التطور التاريخي للإطار التشريعي للصحافة الإلكترونية في بعض مكونات النظام العربي، مبرزة  كيف تم الانتقال من عدم الاعتراف بها الى التلكؤ في الاعتراف بها،وصولا  إلى محاولة تنظيم ما قد يرتكب من جنح وجرائم ومخالفات، عبر الانترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي،لدحض ما كان سائدا من تصور خاطئ بكون هذا الفضاء هو مجال فوضى وغير محكوم بقانون، وأنه مجال حرية التعبير المطلقة بامتياز. وكرد على هذا الادعاء، سوف تظهر القوانين المنظمة للجرائم الإلكترونية بغية سد بعض من الفراغ المزعوم، ولكن مع ذلك يجب الاعتراف أن مجال الإعلام الالكتروني حتى في غياب القوانين المنظمة لمجال اشتغاله، يلاحظ أن جل

الدول التي لم تنظمه تطبق عليه قانون الإعلام والاتصال التقليدي.

اليوم بعد الربيع العربي، وبعد الدور الذي صارت تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي، وما تلا ذلك من تطور أصابها، صرنا أمام الضرورة الملحة لتنظيم هذه المواقع، بإفراد قانون خاص بالإعلام الإلكتروني، او بادماجه ضمن قانون الطباعة والنشر الورقي, ففي المنطقة العربية، هناك تفاوت في آليات  كيفية تقنين الصحافة الالكترونية:

ينبغي التأكيد على ان هناك تمايز واختلاف في تقنين الاعلام الالكتروني في العالم العربي, ففي المغرب مثلا، والجزائر، وتونس، والأردن، تم أدراجه في صلب قانون الإعلام المكتوب، بينما أفردت السعودية له قانونا خاصا، أدرجته في إطار اللائحة التنفيذية.

أسئلة الدراسةومنهج تحليلها:

إلى جانب بعض الأسئلة التي سبق طرحها والتي تروم توضيح اشكالية هذه الدراسة ،هناك أسئلة أساسية سوف تحاول الإجابة عليها، وضمنها على سبيل المثال لا الحصر، ألا يمكن الحديث عن وجود قانون دولي للإعلام الإلكتروني على غرار القانون الدولي للإعلام؟ ألا يمكن الحديث عن وجود الإرهاصات الأولى لقانون إقليمي عربي دولي للأنترنت؟ ألا يمكن اعتبار ما هو مضمن في اتفاقية بودابسيت 2001 وفي القوانين والتوجيهات الإرشادية، لمجلس أوروبا والأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية إضافة إلى قرارات وتوصيات الجمعية العامة والبروتوكولات الملحقة ببعض الاتفاقيات مثل البرتوكول الملحق باتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكول الملحق باتفاقية بودابيست سنة 2003 بمثابة أسس قانون دولي للانترنت؟

ألا يمكن اعتبار القانون النموذجي الاسترشادي العربي الموحد 2004، والاتفاقية العربية للجرائم الالكترونية لسنة 2010 كأسس لقانون عربي للانترنت؟… الخ.

سوف تتم مقاربة هذه الأسئلة بالإعتماد على أسلوب المزاوجة بين مناهج التحليل المتعددة، فمن المقاربة القانونية الصرفة التي ستقربنا من فهم النص، إلى محاولة تفتيته بغية التعرف على مقاصد معناه ومبناه، إلى مقاربة السوسيو سياسية التي ترمي إلى دراسة أسباب نزول هذا النص، ولماذا جاء على الشكل الذي هو عليه، إلى المقاربة التاريخية، التي تشدد على تطور النصوص القانونية ذات الصلة بالإعلام الإلكتروني العربي.

حدود الدراسة:

ليس طموح الدراسة هو استعراض قوانين كل الدول العربية الخاصة بالإعلام الإلكتروني، نظرا لكون ذاك يقتضي القيام بدراسة أكثر تشعبا، كما يقتضي أن يكون هناك فريق بحث متكامل لرصد ذلك في مختلف الدول العربية، هذه الدراسة سوف تركز على حالات مختارة، حسب التقسيم التالي: نموذج أو نموذجين في منطقة النظام الإقليمي الفرعي المغاربي، وسوف يتم التركيز هنا على تونس مع الإشارة كلما أمكن للجزائر والمغرب، نموذج آخر في بلاد النيل وهو مصر، بالخصوص بعد دستور 2014، والنموذج الثالث يهم المنطقة المعروفة تاريخيا بسوريا الكبرى أو الهلال الخصيب وقد اخترنا فيه النموذج الأردني، ثم منطقة الخليج العربي وبالخصوص مجلس التعاون الخليجي واخترنا فيه النموذج الكويتي مع إشارات إلى السعودية،.

صعوبة الدراسة:

يمكن تلخيصها في خضوعها لعدة قوانين مختلفة، من قانون الإرهاب إلى قانون الجرائم الالكترونية، وقانون الإعلام والاتصال التقليدي، إلى القانون الدولي للأنترنت، كما تكمن صعوبتها في كون مجال تكنولوجيات الإعلام، ومعها الإعلام الإلكتروني تتطور بسرعة البرق بينما أن مواكبتها التشريعية تسير سير السلحفاة، وبين السرعتين بون شاسع.

أولا: تقنين تكنولوجيات الإعلام وعلاقته بالشرط السياسي العربي

ظهرت الإرهاصات الأولى لتأثير تطور تكنولوجيات الإعلام على حقوق الإنسان منذ 1967 8و 1968، لكن التأثير الهام والأساسي الذي كانت له انعكاسات على الدول العربية، هو ما حصل في بداية الألفية الثالثة، مع تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وما أعقب ذلك من إدراك لخطورة استغلال تكنولوجيات الإعلام في الإرهاب، عبر ربط وتسهيل الاتصال بين الإرهابيين، وتبادل المعلومات فيما بينهم، وتحديد اللقاءات، وتنظيم  الاجتماعات… الخ. هذه اللحظة كانت حاسمة وهامة في التنظيم القانوني لوسائل الاتصال والإعلام الإلكتروني، وتقنين الانترنت على الصعيد العربي،إذ خلالها تأثرت الدول العربية بالموجة الدولية الساعية لمراقبة وتقنين وسائل الاتصال الإلكتروني، ووضع اتفاقية دولية لتنظيم مجال الجرائم الالكترونية، وهي اتفاقية بودابيست بتاريخ 23 نونبر 2001 9، أي مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. لقد كانت هذه الاتفاقية مضاف إليها التوجيهات الإرشادية الصادرة عن مجلس أوروبا 1995 10، والتوجيهات الإرشادية لمنظمة التجارة العالمية 11، والتوجيهات الإرشادية لمنظمة التعاون والتنمية   بمثابة  النواة الأساسية لظهور قانون دولي للانترنيت12.

تأثرت الدول العربية بهذه المعطيات، وبشروط الظرفية السياسية الدولية والإقليمية، فصار هاجس تقنين الانترنت يسيطر على سلوكها التشريعي، عبر عدة طرق وتحت مبررات مختلفة، منها ما هو مرتبط بمواكبة الموجة الدولية الساعية إلى تقنين هذا “الوحش الإلكتروني”، ومنها ما هو على صلة بانعكاسات استخدامه في قضايا الإرهاب. شددت على ذلك بالخصوص عند إصدارها للقوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية والقوانين المتعلقة بالإرهاب. وُضعت هذه القوانين تأثراْ بمضامين اتفاقية بودابيست، فصيغت على منوال منطوق ومضمون القواعد الواردة فيها.

إذا كانت لشروط السياق الدولي بعض التأثير على صياغة هذه القوانين بعد 2001، فلا ينبغي إغفال التأكيد على كون سياق وضعها مرتبط  بواقع ما  روج  و  يروج داخل أروقة جامعة الدول العربية، أشير هنا على الخصوص إلى وضع القانون النموذجي العربي الموحد13 لسنة 2004، وما تلاه من قوانين عربية داخلية على مستوى كل دولة على حدة، لم تخرج هذه القوانين كما القانون النموذجي الاسترشادي الموحد، عما هو مكرس في اتفاقية بودابيست من حيث الاهتمام بالإعلام الإلكتروني.

هل لازال من الممكن اليوم في ظل التغييرات التي عرفتها وسائل الإعلام الإلكتروني ،الحديث عن المدونات؛ و المنتديات كآليات للإعلام الجديد؟ اذا كانت هذه الآليات قد صارت من باب الماضي، الم يكن من الضروري اليوم وضع قوانين فعالة لتنظيم هذا الفضاء الفوضوي الشاسع، القوي التأثير، الذي يمتزج فيه ويتداخل من خلاله وعبره تداول المعلومات على المواقع من الكيانات المحلية الى الكيانات العالمية.

يتطلب تتبع مسار تقنين الصحافة الإلكترونية على الصعيد العربي الرجوع إلى البيئة السياسية العربية والعالمية المواكبة له، والتي في رحمها تم التقنين إياه.مع العلم أن قراءة هذه البيئة تفسر بما فيه الكفاية، لماذا هذا التنظيم هو على هذا النحو. الأمر لا يتعلق بما بعد الثورات التي هزت العديد من الكيانات العربية، بل هو على علاقة بما حصل قبل الربيع العربي، على الأقل منذ العشرية الأخيرة من القرن المنصرم، وبداية الألفية الثالثة.

مرت مسيرة التقنين الإعلامي في المنطقة العربية بعد قيام النظام العالمي الجديد بثلاث محطات أساسية، أشير لعناصر بعضها في السابق لكن لا بأس من إعادة التأكيد عليها من جديد وباختصار على النحو الآتي:

 1 ) أولاها ترتبط بالتحولات ذات النفحة الليبرالية، عندما بدأت بعض رياح التغيير الديموقراطي تتسلل نحو المنطقة بعد حرب الخليج الثانية أو قبلها بقليل، ظهرت آنذاك قوانين لتنظيم الإعلام قصد مواكبة التحول الحاصل على المستوى الدولي. أشير هنا إلى القانون التونسي الجديد 1989، والقانون الجزائري لسنة 1990، والموريتاني لسنة 1991 14، والقانون المصري لسنة 1996 15. هذه الموجة من التشريعات اهتمت بالإعلام المكتوب، وغضّت الطرف عن الإعلام الإلكتروني، لأن هذا الاخير لم ينتشر بعد، وحتى إن وجدت بعض ارهاصاته، فهو ليس إلا إعلام مكتوب تحولت نسخه الورقية إلى نسخ الكترونية، كانت صحيفة الشرق الأوسط أول تجربة عربية في هذا المجال في سنة 1995 لتليها جرائد أخرى16.

2) اللحظة الثانية، وهي لحظة التقنين الخجول والمحتشم للإعلام الإلكتروني في صلب قانون الإعلام التقليدي، مع وضع ضوابط لهذا الإعلام بالإحالة على قوانين الجرائم الالكترونية. تم ذلك في إطار سياق التأثر بأحداث 11 سبتمبر 2001، وبمضامين اتفاقية بودابيست 23 نونبر حول الجرائم الإلكترونية، وبالقانون النموذجي العربي الموحد 2004 وبالاتفاقية العربية لمكافحة الجرائم الإلكترونية… الخ.

3) اللحظة الثالثة، جاءت بعد ثورات الربيع العربي، حيث لاحظنا كيفه أن بعض الدول تؤكد على  حرية التعبير عبر الإعلام الإلكتروني، وتشير إلى ذلك في دساتيرها الجديدة التي أعقبت الثورات مشددة على حماية التعبير بواسطة  وسائل الاتصال والإعلام الإلكتروني. وعلى العموم نلاحظ خلال هذه اللحظة كيف تم التركيز على الاهتمام بإفراد قانون خاص لتنظيم الصحافة الإلكترونية بالاشارة  الى بعض أسسه ومبادئه  العامة في الدستور، وفيما بعد في التنظيم القانوني العادي للإعلام، مع إفراد باب ضمن هذا القانون خاص بالإعلام الإلكتروني.

هكذا يمكن اعتبار بداية الألفية الثالثة لحظة جوهرية في عمقها تنامى الاهتمام بتقنين فضاء الشبكة العنكبوتية على الصعيد العربي، وتم فيها الانكباب على معالجة ما قد يرتكب بواسطة آليات تكنولوجيات الإعلام الحديثة كدعامة إعلامية من مخالفات، كما هو الشأن فيما يخص الصحافة الورقية، والصحافة السمعية البصرية، فانحصر اهتمام المشرع بها على ما قد يلحقه الاستخدام السيئ لها من أضرار فحمّلها مسؤولية ما قد يصيب الأفراد، والهيئات والدولة وسائر المؤسسات. من أجل ذلك وضعت قوانين انصرف اهتمامها ليس إلى تنظيم مهنة الإعلام الالكتروني مثلا، كيف تنشأ المقاولات الإعلامية الإلكترونية؟، لمن يقدم التصريح؟ أو طلب الترخيص حسب الحالات؟ من هو الصحفي الإلكتروني17؟ كيف يتم تصحيح الخبر الكاذب والعاري من الصحة في الصحافة الإلكترونية هل ينطبق عليه ما ينطبق على الصحافة الورقية؟ أم أن هناك اختلاف فيما يحكم الدعامتين.

إن القوانين المتعددة التي وضعت في الألفية الثالثة، الخاصة بتنظيم الانترنت في سائر الدول العربية، قد انصب اهتمامها على الاستخدامات السيئة لمواقع التواصل الاجتماعي في مجال الإرهاب، والدعارة، والدعوة إلى الكراهية، والتميز العنصري والديني والآثني والحث على الحروب، والإشادة بها، وتخريب المواقع، وسرقة محتوياتها، أو الدخول إليها لأحداث تغييرات فيها, واهتمت أكثر بدعارة الأطفال، والمساس بالنظام العام… إلخ18.

إن القضايا المشار إليها تؤسس لظهور قانون دولي للانترنت، كما تؤسس لظهور قانون اقليمي عربي لتنظيم هذا الوحش الإلكتروني، كيف تم ذلك التنظيم ,وما هي الآليات القانونية التي عبرها وبواسطتها تم التأسيس له؟

كيف واكبت الدول العربية هذا التطور الذي يجري على الساحة العالمية من أجل تقنين دولي للإعلام الإلكتروني، وهل يمكن الحديث عن قانون عربي إقليمي للإعلام الإلكتروني على غرار القانون الدولي؟

ثانيا: عناصر من القانون العربي للإعلام الإلكتروني

واكبت الدول العربية عن كثب التحولات العميقة التي يمر بها القانون الدولي للإعلام التقليدي وقصوره عن تنظيم الإعلام الإلكتروني، كما واكبت النقاشات الدولية المتعلقة بضرورة إيجاد قواعد قانونية تنظم تكنولوجيات الإعلام الحديثة، وحيث أن المجموعة العربية قد مسها ما مس جل  دول العالم من أضرار، ناتجة عن الجرائم والمخالفات المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام والاتصال الإلكترونية، وبالخصوص الانترنت، فإنها قد لجأت إلى وضع قواعد قانونية إقليمية ذات طابع دولي لمحاصرة هذه الجرائم والمخالفات والتعديات، وحصرت ذلك في تقنين أسمته ب” القانون العربي النموذجي الموحد”19 في سنة 2004، وأعيد ترديد مضامينه في القوانين العربية الخاصة بمكافحة الجرائم الالكترونية، كما تجدر الإشارة إلى اهتمام وثيقة البث الإذاعي والتلفزي العربية20، الصادرة في سنة 2008 عن مؤتمر وزراء الإعلام العرب  بوضع بعض أسس قانون عربي للإعلام، وفيها إشارات لتنظيم وسائل الإعلام الإلكتروني، وإرساء بعض قواعد القانون العربي للإعلام الالكتروني، وسوف تتوج هذه الإرهاصات بإصدار أداة اتفاقية جديدة مكملة ومشددة، على بعض قواعد هذا القانون وهي اتفاقية ” الجريمة الالكترونية العربية”21, التي ستكون متأثرة باتفاقية بودبيست و بالتشريعات العربية الداخلية الخاصة بالجرائم الالكترونية، التي أشير إلى بعضها سابقا. شددت هذه القوانين على الجرائم الإلكترونية، وضمنها الجرائم المرتبطة بالإعلام الإلكتروني. ففي بعض الدول العربية أدرجت ضمن القانون الجنائي التقليدي، وأفردت لها بعض الدول الأخرى إطارا قانونيا خاصا بها، وذلك بالاحتفاظ بها كقواعد قانونية مستقلة عن القانون الجنائي.

من هذا المنطلق يجدر بنا أن نتساءل عن كيف تم الانتقال من قانون الجرائم الالكترونية، إلى وضع قواعد قانونية تنظم الإعلام الالكتروني، وبالخصوص في ظل التحولات الثورية التي شهدتها بعض الدول العربية ولازالت مع ظهور دساتير جديدة؟ وكيف أن المسار الذي سلكه قانون الجرائم الالكترونية باعتباره على صلة بالقانون الجنائي، هو نفسه المسار الذي تعرفه علاقة تطور قانون الإعلام الإلكتروني بقانون الإعلام التقليدي؟ بعض الدول أدرجته ضمن التنظيم القانوني الخاص بالصحافة الإلكترونية. بينما أن بعضها الآخر أجرى تعديلات على قانون الإعلام التقليدي لتدمج فيه فصول تهم الصحافة الإلكترونية. كيف تم ذلك؟

 لقد حصلت تطورات مست الإطار القانوني للإعلام و الاتصال الإلكتروني أثناء وبعد ثورات الربيع العربي،تعود في مجملها إلى تنامي تأثير الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام العربي. و قد رافق ذلك جدل واسع حول مدى مواكبة البحث العلمي الأكاديمي, على استيعاب تطورات هذا الحقل المعرفي الذي يمر بمرحلة تحولات مدهشة سريعة. لكن ما يثير الاهتمام والانتباه في هذا الصدد هو حصول نوع من التواطؤ بين الباحثين وبين المشتغلين بالإعلام والمشرعين, على الاتفاق في حصر اهتمامهم جميعا،في موضوع النظام القانوني للإعلام الإلكتروني، وليس على الإعلام الإلكتروني بمعناه الأكاديمي العلمي وأحيانا المهني. فبقي اهتمامهم به أمرا محصورا في المنتديات، وفي المدونات كآليات للإعلام الجديد، وتم التركيز على الجانب القانوني لهذه الأدوات التي أصبحت إلى حد ما قديمة ومتجاوزة، إذ إنها تعبر عما كان سائدا في منتصف تسعينيات القرن المنصرم وبداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة, لما كان التنظيم القانوني لتكنولوجيات الإعلام مهتما بما قد يرتكب من جرائم بواسطتها، بينما اليوم هناك حاجة قوية وملحة إلى وضع قواعد خاصة بالإعلام الإلكوني المهني.

ظهرت بعد الربيع العربي جهود معتبرة، تضع أسسا جديدة لتقنين الإعلام الإلكتروني، وهي جهود مغايرة للتي كانت قائمة في الماضى. إن القوانين الجديدة هي إما مستقلة وخاصة بالصحافة الإلكترونية، أو قوانين شاملة للصحافة والنشر عموما، مع إيراد تفصيلات وتدقيقات خاصة بالإعلام الالكتروني. سيظهر هذا التوجه في مختلف الدول العربية بعد التحولات الناتجة عن الربيع العربي، في تونس ومصر، وفي الأردن و المغرب والجزائر والكويت… الخ. ففي بعض هذه الدول تمت دسترة الإعلام الإلكتروني بالنص عليه في صلب دساتير الموجة الدستورية الجديدة لما بعد الربيع العربي،22 بينما في بعضها الآخر، يتم الاكتفاء بالإشارة إلى حرية التعبير وحرية الإعلام،  والحق في الإعلام والوصول إلى المعلومة23.

ثالثا: النظام القانوني للإعلام الإلكتروني في الدول التي مرت بحالة الثورة:

مصر وتونس

ويمكن أن ندخل ضمن هذه الخانة دولتين هما مصر وتونس، باعتبارهما عاشتا أحداث ثورية قادت إلى حصول تغييرات في نظام الحكم فيهما، ما  أدى  في كل منهما إلى وضع دستور جديد يطمح الى  مواكبة و مسايرة التغيير الثوري الذي مرت به البلاد، ، ففي كلا النموذجين كانت هناك جهود سابقة على النص الدستوري عبّدت الطريق أمام محاولات، ومبادرات تقنين الصحافة الإلكترونية.

  • التجربة المصرية

إذا نحن دققنا النظر في التجربة المصرية فسنجد أن هناك جهود كثيرة ، بدلت قبل الثورة وبعدها، من أجل التنصيص الدستوري على تقنين الإعلام الإلكتروني، ويرجع الفضل في هذه الجهود إلى ما لعبه الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية منذ مارس سنة 2010 قبل الثورة. فمنذ ذاك التاريخ شدد هذا الاتحاد على وضع ميثاق شرف مهني للعاملين في مجال الإعلام الإلكترون على الصعيد العربي، وضمنهم الصحفيين الإلكترونيين المصريين، ويمكن أن نضيف إلى ذلك، الجهود والدور الذي لعبته نقابة الصحفيين الإلكترونيين منذ 2011، إذا كانت هذه الجهود قد ساعدت على إدراج ضرورة تنظيم النشر الإلكتروني في متن النص الدستوري، فإن بعضها ساهم أيضا في وضع الأفكار المؤطرة  لوضع القانون المنظم للصحافة الإلكترونية، وضمنها مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا مهما في إنجاح الثورة، وتكثيف الاتصال بين شبابها في مختلف الدول العربية التي مرت بحالة الحراك23.

في مصر لوحظ كيف عملت مثلا نقابة الصحفيين الإلكترونيين، التي ولدت في رحم الثورة على وضع مسودة مشروع قانون، عرض على المجلس العسكري في “مؤتمر الإعلام والتحدي والريادة” الذي عقد في 8 يونيو 2011، والذي صدرت عنه توصية تشدد على واجب تنظيم مزاولة نشاط النشر الإلكتروني، كما شددت على ضرورة حماية المجتمع من الممارسات الخاطئة، وأكدت على حقوق وواجبات العاملين في مجال النشر الإلكتروني، وعلى ضمان حماية الملكية الفكرية الالكترونية للأشخاص، وحفظ حق المجتمع. ونظرا لحصول تطورات سياسية بالخصوص بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، قد تم سحب ذاك القانون من البرلمان من طرف النقابة مخافة إفراغه من محتواه التقدمي بفعل التعديلات التي ستدخلها عليه الأغلبية البرلمانية [الأخوان والسلفيين]. على الرغم من أن الانتخابات التشريعية قد مرت بنزاهة، وتم الاحتكام بشكل ديموقراطي إلى صناديق الاقتراع، إلا أنه مع ذلك هناك تخوف من أن يتم التضييق على هامش حرية الإعلام الإلكتروني. لو تم عرض مسودة هذا القانون على البرلمان الذي بدون شك سوف يفرغها من محتواها.

تجدر الإشارة إلى كون مسار ما بعد يونيو 2013 قد أفسح المجال أمام تطورات جديدة، ومن ضمنها إعادة النظر في الدستور، ومن بين البنود التي طالها التغيير المادة: 48 من دستور 2011، الهدف من ذلك وضع أساس دستوري يتم بموجبه التمييز بين مختلف الدعامات الإعلامية، من سمعي بصري إلى إعلام ورقي، فإعلام الكتروني. وهكذا فإن المادة 70 من الدستور الذي تم إقراره في يناير 2014 عبر استفتاء شعبي تنص على: “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والالكتروني مكفولة للمصريين، من أشخاص طبيعية أو اعتبارية عامة أو خاصة، وحق ملكية وإصدار الصحف، وإنشاء وسائل الإعلام المرئية و المسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي، وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية”.

يتضح من خلال نص هذه المادة أنها وضعت المبادئ الكبرى التي تحكم تنظيم الإعلام الإلكتروني بما في ذلك مسألة الإخطار عوض الترخيص، وهذا أمر مهم جدا في إقرار حرية الإعلام الإلكتروني.

تسعى المادة 70 من الدستور المصري المشار إليها إلى استعراض أنواع الدعامات الإعلامية وتصنيفها، وحصرها وتعدادها من ورقية وسمعية بصرية والكترونية،  وتؤكد على ضرورة إخراج قانون ينظم إصدار الصحف الإلكترونية وتملكها.

سوف يكون للنقاش الذي أعقب وضع هذه المادة في دستور 2014 تداعيات على تصورات وتقديرات وحتى تحليلات الأكاديميين والقانونيين ليس داخل مصر فحسب، بل على المستوى العربي عموما، وسرعان  ما ستكون للتجربة المصرية منذ 2010 بعض التأثير على المشرعين العرب، ويرجع ذلك إلى كون الإعلام الإلكتروني ومواقع  التواصل الاجتماعي تحكمها ذات الإكراهات، وتعترضها ذات الصعوبات وذات التحديات. وعلى العموم، حتى الآن لم نصل بعد إلى إصدار قانون للنشر الإلكتروني مطبق في مصر، بل لا زلنا أمام مشروع قانون يتم التداول بشأنه، رسمت المادة 70 من دستور 2014 ملامحه الكبرى، كما رسم قانون الجرائم الإلكترونية بعضا من تلك الملامح.

إذا كان ذلك كذالك على المستوى المصري بعد الثورة، فإن هناك تجارب عربية أخرى مشابهة للتجربة المصرية على الأقل من حيث طبيعة الشرط السياسي الذي ولدت فيه، وهو شرط الثورة الطامح إلى التغيير الجذري، ولعل التجربة التونسية لها دلالتها في هذا المقام.

2 ) التجربة التونسية

لقد حركت تونس الغضب الثوري العربي، بسبب القمع الشرس الذي تجاوز كل الحدود، وضمنه ما  عاشته هناك حرية التعبير والإعلام بموجب قانون 1975، والتي استمر تكبيلها كذالك بموجب قانون  1989، ومع نهاية القرن المنصرم وبداية الالفية الثالثة, بدأت طلائع القواعد القانونية تلوح في الأ فق  من اجل تنظيم الانترنت. لكن إذا كان الإعلام الإلكتروني ظاهرة جديدة، فهلا كان ممكنا أن يطرح للنقاش موضوعه عند صياغة الدستور الجديد إثر الثورة، تحت ستار تبني المجلس التأسيسي المنتخب وضع مسودة للدستور مسايرة للتطور التكنولوجي على المستوى القانوني انسجاما مع مرحلة التحول الديموقراطي، ويكون بذلك ساعيا إلى تبني قوانين منفتحة  و حديثة لحماية حرية  التعبير، تأخذ بعين الاعتبار التقنيات المعلوماتية والاتصالات الجديدة، خاصة حرية الانترنت وحرية الإعلام الإلكتروني24.

الملاحظ في تونس بعد الثورة أن حرية التعبير عبر مختلف الدعامات السمعية البصرية والورقية تنامت وتطورت؛ وازدادت معها حرية الانترنت، والإعلام الإلكتروني، لكن مقابل ذلك لازالت القواعد القانونية ذات الطابع الزجري التعسفي قائمة في صلب قانون الصحافة والنشر التونسي الموضوع سنة 2011.

إذا كان الدستور التونسي الجديد  وردت فيه  إشارة  إلى الإعلام الإلكتروني، فانه لم يلجأ إلى التفصيل فيها كما فعل الدستور المصري عند حديثه على هذه الحرية ، ثم ان القانون الجديد المنظم للإعلام لم يهتم بالإعلام الإلكتروني، بل أغفله وصار على النهج الذي اتبعه التشريع المغربي لسنة 2002 فاكتفى بالإشارة إلى تطبيق ما يحكم الإعلام الورقي، على الإعلام الإلكتروني بشكل غير صريح وواضح, ما يجعله يحتمل مختلف التأويلات والتفسيرات. وعند إشارته إلى الإعلام الإلكتروني في علاقته بالإعلام التقليدي حاول أن يساوي بينهما فيما يرتكب من جرائم وجنح مشددا على عبارة “… أو بكل وسيلة إلكترونية”.

المعضلة أن القانون لم  ينص على كيف تصدر الجرائد الإلكترونية ,وما هي الجهة  التي يقدم اليها التصريح، قد يكون غياب النص القانوني من هذا القبيل معرقلا لإصدار الصحف الإلكترونية، على اعتبار أن الجهة المختصة لتلقى التصاريح لم يشر إليها في نص القانون. من هنا يمكن للقضاء أن يرفض تلقي التصريح كما حدث ويحدث في المغرب.

لم يهتم إذا قانون الإعلام التونسي، أي “مجلة الصحافة والطباعة والنشر في 2 نونبر 2011” بالصحافة الإلكترونية إلا لماما، وهي بذالك في علاقتها بالإعلام الإلكتروني مشابهة للتشريع المغربي المطبق حتى الآن.

ينص قانون الصحافة التونسي الجديد في فصله السابع عند تعريفه للصحفي المحترف بكونه” هو ذاك الذي يشتغل في صحيفة أو مؤسسة أو عدة مؤسسات للإعلام السمعي البصري أو للإعلام الإلكتروني” كما يشير إلى الإعلام الإلكتروني في الباب المتعلق بالجرائم المرتكبة بواسطة الصحافة، أو بأية وسيلة من وسائل النشر  التي تشتمل على الوسائل الإلكترونية، إن الفصل 50 منه مشابه تماما للمادة 38 من قانون الإعلام المغربي 2002، من حيث النص على التحريض على ارتكاب الجرائم بواسطة المنشورات أو المطبوعات والمنقوشات أو الإعلانات المعروضة على أنظار العموم، أو بأية وسيلة من وسائل الإعلام السمعي البصري أو الالكتروني. هناك تطابق مع نص المادة 38 من المغربي.

كما ترد الإشارة إلى الوسائل الإلكترونية في الفصل 55 عند الحديث عن الجنح ضد الأشخاص “… فحوى العبارات الواردة في الخطب والنداءات والتهديدات أو الكتابات والمطبوعات أو المعلقات أو الرسوم أو الإعلانات أو المنشورات الإلكترونية”.

إذا كان قانون الطباعة والنشر قد تناول الإعلام الإلكتروني، بعد الثورة بنوع من الحذر فيجب التأكيد أن تونس عرفت الانترنت منذ العشرية الأخيرة من القرن المنصرم، وأصدرت قوانين لتنظيمه، تيسيراً لتداول المعلومات. ففي سنة 1997  صدر الأمر 501 بتاريخ 14 مارس 1997 المتعلق بالخدمات ذات القيمة المضافة للاتصالات، يؤكد فصله الأول على:

“… إنتاج وتقديم وتوزيع وإيواء المعلومات في إطار وضع واستغلال الخدمات ذات القيمة المضافة للاتصالات مع الخضوع لقانون الصحافة وللقانون المتعلق بالملكية الأدبية”25. وتعني هذه الفقرة أن محتوى الشبكة يخضع لقانون الصحافة عدد: 32 لسنة 1975 ولجميع النصوص والتنقيحات التي تلته26   .

يحيل هذا القانون على قانون الإعلام والاتصال التونسي من حيث الجرائم والمخالفات التي يتم ارتكابها بواسطة وسائل الإعلام الإلكتروني، مثل التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح، كالجنح المرتكبة ضد النظام العام27، أو الجنح المرتكبة ضد الأشخاص28، أو الجنح المرتكبة ضد رؤساء الدول و الدبلوماسيين الأجانب29، أو الجنح المتعلقة بالاعتداء على النظام العام وعلى أمن الدولة الداخلي والخارجي. ويتم التشديد على الاعتداءات على النظام العام بواسطة وسائل الإعلام الإلكتروني، عند الرجوع إلى المجلة الجزائية30، التي تطبق على النشر الالكتروني عبر الانترنت، وعبر الإنتاج المتعدد الوسائط [الميلتيميديا]. وهكذا فإن هذا القانون، قد يطبق على مستعملي الانترنت ومنتجي الميلتيمديا إذا استخدموا هذه الوسائل في الاعتداء على النظام العام، والحياة  الخصوصية للآخرين، والحث على الكراهية، والدعوة إلى الإرهاب، وإلى العنصرية والإشادة بالحروب وإلى دعارة الأطفال، وعلى العموم كل ما هو منصوص عليه في اتفاقية بودابيست لسنة 2001 31، والبروتوكول الإضافي الملحق بها والمكمل لها، وفيه تمت الإشارة إلى تجريم أعمال التمييز العنصري، وكره الأجانب، والتمييز الديني والعرقي، وجرائم الإبادة ضد الإنسانية32، المرتكبة بواسطة أنظمة الحاسوب.

ويبدو أن هذه المعاهدة والبروتوكول الملحق بها يشكلان أهم الوثائق الدولية المنظمة لجرائم الفضاء السيبراني، وهو ما أثر ويؤثر على التشريعات الإعلامية للدول العربية، وضمنها التشريع الأردني، وتشريعات كافة الدول العربية التي لم تحدث فيها تغيرات بفعل ثورات الربيع العربي بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر، وضمن هذه المجموعة، الكويت، والمغرب، والجزائر والأردن.

رابعا: تقنين الإعلام الإلكتروني في الدول العربية الأخرى بعد الثورة

1)الأردن وتقننين الصحافة الإلكترونية

طالت موجة تقنين الإعلام الإلكتروني مجموعة من الدول المشرقية، وعلى رأسها الأردن، إثر أحداث الربيع العربي،حيث أدخلت تعديلات على قانون المطبوعات والنشر في سنة 2012, أدمجت هذه التعديلات في القانون رقم 8 لسنة 1998، الذي يشار إليه بالقانون الأصلي، فأعطانا قانونا جديدا ضمن مشمولاته قضايا تنظيم وسائل الإعلام الإلكتروني, لكن هذا التعديل قد وردت به قيود قانونية، وتشوهات بنيوية، لذلك سجل عليه و ضده الفاعلون في الإعلام الإلكتروني عدة مؤاخذات، على رأسها أنه وضع دون استشارتهم أو استشارة من يمثلهم، كما أنه وضع دون مراعاة تكييفه مع القوانين الأخرى الداخلية، وقد خالفت هذه التعديلات بنود الدستور والمعاهدات الدولية، بفرضها مزيدا من القيود على حرية الإعلام والتعبير عبر الأنترنت33.

بدأت فكرة هذه التعديلات تتبلور منذ أن أصدرت محكمة التمييز قرارا في سنة 2010، يؤكد على إخضاع المواقع الإلكترونية لقانون المطبوعات والنشر،و التقطت الحكومة هذه الإشارة فأصدرت مشروع قانون عرضته على البرلمان، حدد وعرّف المطبوعة الإلكترونية على النحو الآتي: “… هي كل وسيلة نشر دونت فيها المعاني، والكلمات والأفكار بأي طريقة من الطرق بما فيها الوسائل الإلكترونية أو الرقمية أو التقنية”. وبأنها “…. موقع الكتروني له عنوان الكتروني محدد على الشبكة المعلوماتية، يقدم خدمات للنشر، بما فيها الأخبار والتقارير، والتحقيقات، والمقالات، والتعليقات، ويختار التسجيل في سجل خاص ينشأ بموجب تعليمات يصدرها الوزير لهذه الغاية”.

وفي تعديل 2011 أضيفت  المادة 49 وهي تنص على “لا تستفيد المطبوعة الإلكترونية، ومالكها وناشرها وكاتبها، وصحفيوها والعاملون فيها من مزايا هذا القانون، ما لم تكن مرخصة ومسجلة وفقا لأحكامه”.

ومن المعلوم أن تعديلا آخر قد أدخل على هذا القانون في سنة 2012 أكد على “التسجيل الاختياري”الذي حل محل “الترخيص الإلزامي”،  والتشديد على “الحجب” بالنسبة للمواقع الإلكترونية غير المرخصة. ويتضح من هذا أن الحكومة بإمكانها أن تلجأ إلى حجب المواقع الإلكترونية حتى وإن لم يكن هناك حكم قضائي؛ وهذا يجعلها خصما وحكما في الآن ذاته. لكن تعديلا جديدا أدخل على المادة 49 في سنة 2013 يتعلق بإسناد قرار الحجب إلى  القضاء فاصبح تبعا لذالك أي حجب غير ممكن القيام به الا وفق ” مقرر قضائي” فأبقى على حجب المواقع غير المرخص لها.

من محاسن القانون الأردني الجديد أنه جاء بشيء جديد طالما تمت المناداة به على صعيد النظام الإقليمي العربي من طرف مهني الإعلام، الامر يتعلق بمقتضى جديد هو  إحداث غرف قضائية متخصصة تتولى النظر في قضايا المطبوعات والنشر بشقيها, الجزائي [جرائم النشر], والمدني [ دعوى التعويض المدني], وهذا الإجراء قد أدخل مؤخرا في القانون المغربي بإحداث غرف متخصصة مكلفة بالبث في قضايا الإعلام34. وتكمن أهميته   في إسناد البت في القضايا المتعلقة بالإعلام إلى قضاة متخصصين في شؤون الإعلام يفهمون ويستوعبون طبيعة العمل الإعلامي ومشكلاته، وصعوباته مع تقدير كون احتمالات الخطأ كثيرة وجد واردة فيه.

–  استخدم القانون الأردني لفظة المطبوعة الإلكترونية في المادة 49 وفي المادة: 2 واعتبرتها هذه المادة الأخيرة بكونها “… عبارة عن موقع الكتروني له عنوان الكتروني محدد على الشبكة المعلوماتية يقدم خدمات للنشر…. ” إن هذا التعريف عام ويشمل جميع المواقع الإلكترونية الموجودة على شبكة الانترنت بغض النظر عن مصدرها، ونوعها وحتى شكلها، ولغتها، وهذا سيجعل هذه المواقع مثل گوگل – ياهو- الفايس بوك- اليوتوب… الخ، وفقا لهذا القانون وأحكامه ملزمة بالحصول على ترخيص من دائرة المطبوعات والنشر، وهو أمر يستحيل تطبيقه، بل إن النص إياه غير قابل للتطبيق على أرض الواقع من عدة وجوه، فالقانون وفق للمادة 13 منه يشترط لمنح التراخيص لإصدار المطبوعة أن يتم تسجيلها كشركة وفقا لأحكام قانون الشركات المطبق في الأردن، وذاك يعني أن جميع المواقع الإلكترونية، التي تقدم الأخبار مجبرة على التسجيل كشركة في الأردن وفقا لأحكام الشركات في القانون الأردني، وهذا غير قابل للتطبيق. فالقانون يعتبر أن  مكان مشاهدة المواقع الإخبارية الإلكترونية هو مكان طبعها وصدورها، ولم يأخذ بعين الاعتبار من أين تمنح المساحة الافتراضية للموقع الإلكتروني على الانترنت، وما هي الجهات أو الشركات الدولية التي تملك مساحة على شبكة المعلومات الدولية ” الانترنت” التي تمنح تلك المساحة الافتراضية وكيف يتم ذلك؟

هناك إشكال آخر، صار فيه المشرع الأردني وربما جل المشرعين العرب وهو أنهم اعتبروا المطبوعة الالكترونية شخصية اعتبارية مثلها مثل سائر المطبوعات الدورية، مع العلم أنها  ليست كذلك، وهي ليست الا إحدى الخدمات التي تقدمها الانترنت. والانترنت كما هو معلوم عبارة عن شبكة معلومات دولية [ فضاء افتراضي] لا يمكن لا تقنيا ولا قانونيا  إخضاعه، لقواعد الترخيص في أي دولة من العالم.

إن تشديد النص القانوني سواء في الأردن أو في الدول العربية التي حدت حدوه، يعتبر مخالفا لنص أعلى موجود في الدستور الأردني كما في دساتير كل الدول العربية، وهو النص الخاص بحرية التعبير، وحرية الإعلام والصحافة،التي من بين أركانها عدم فرض أية قيود على إنشاء وصدور الجرائد والمواقع الإلكترونية، وممارسة العمل الإعلامي على العموم. إن الترخيص المسبق يعتبر قيدا على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، فالسائد اليوم على المستوى الدولي، هو التوجه نحو التصريح والأخطار عوض الترخيص، انسجاما مع المادة: 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه الأردن فصار ملتزما به،وخاضعا لأحكامه.

كيف تعاملت التشريعات العربية الأخرى بالخصوص: الكويتي والجزائري والمغربي مع الإعلام الإلكتروني، وإنشاء المواقع الإعلامية الإلكترونية؟ هل أفردت لها قانونا خاصا بها أم أنها أدرجت تنظيمها في قانون الإعلام التقليدي؟

إذا كانت التجربة التونسية الجديدة في مجال تنظيم الإعلام وتقنينه بصفة عامة ذات أهمية مقارنة بتجربتي 1975 و 1989، فإن هناك تجربتين مغاربيتين تجدر الإشارة إليهما، دون تفصيل في محتواهما، وهما: تجربتا المغرب  والجزائر.

2)التجربة المغربية والجزائرية

 تناولت التجربة المغربية بحذر كبير الموضوع في تعاملها مع الاعلام الالكتروني باستخدامها لذلك التعبير الخجول والهزيل مؤكدة على “… أو بكل وسيلة الكترونية: الواردة في قانون أكتوبر 2002، غير أنه اليوم حصل تطور في مشروع القانون الجديد للإعلام الذي ينتظر أن يصدر بعد أن تمت مناقشته داخل البرلمان، والذي مر بعدة قنوات من النقاش المستفيض، واستوفى ما يلزم من إجراءات. أدمج في هذا القانون تنظيم الصحافة الإلكترونية، بشكل صريح وواضح، فاعتبرت الصحف الإلكترونية مثلها مثل الصحف الورقية، وبذلك فإن ما ينطبق على النشر والورقي ينطبق على النشر الإلكتروني.

نشأت فكرة إعادة النظر في قانون الإعلام في المغرب مباشرة بعد صدور قانون 2002 الذي رأي فيه الفاعلون الإعلاميون والحقوقيون كونه لا زال يكرس العقوبات السالبة للحرية، وعدم اهتمامه بالصحافة الالكترونية، لذالك استمر النقاش حول هذا التعديل منذ سنة 2005 حتى اليوم.يمكن القول أن الحراك العربي ، ومعه تأثيرات حركة 20 فبراير السياسية قد لعبت دورا أساسيا في ذلك. وهكذا في أكتوبر  2012 شكلت لجنة استشارية علمية مكونة من تسعة خبراء، وضعوا المسودة الأولية لهذا المشروع، مستحضرين المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير, ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان, وقرارات الأمم المتحدة بالخصوص القرار المتعلق بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر لسنة2000’ والقرار الخاص بعدم الإساءة إلى الأديان وبالخصوص الديانة الإسلامية لسنة 2011.

-أما الجزائر، بعد إعادة النظر في قانون إعلامها لسنة 1990 فإنها قد وضعت قانونا جديدا في 11 يناير 2012، ضمّنته الصحافة الإلكترونية التي لم تكن تعرها أي اهتمام في قانون 1990 ، وردت الصحافة الإلكترونية في هذا القانون دون تفصيل إذا ما قورنت بمشروع القانون المغربي، ففي القانون الجزائري نجد تخصيص الباب الخامس، لوسائل الإعلام الإلكتروني، المشتمل على الفصول الآتية: 67-68-69-70-71-72.

من الامور التي تم تأكيد وتشديد هذا القانون ، وتفصيله فيها ما يتعلق بكيفية  تأسيس المقاولات الصحفية الإعلامية، و إلى من يقدم التصريح لإصدار الجريدة أو  الموقع الإلكتروني؟ وما هي مكونات هذا التصريح؟ …الخ و كيف يتم الحجب، أو الحجز أو التوقيف؟ هل ينطبق على المواقع الإعلامية الإلكترونية ما ينطبق على الصحف الورقية؟

إذا كان قانون 1990 ينص على تقديم التصريح الخاص بإصدار الجريدة الورقية إلى الجهاز القضائي أي إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد مقر الجريدة تحت ولاية نفوذها القضائي، وهو ذات الأمر المطبق في المغرب منذ 15 نونبر 1958 إلى 1973 إلى 2002, ومؤكدا عليه في مشروع القانون الذي سوف يصدر في القريب العاجل، لكن الأمر مخالف لذلك في نص القانون الجزائري الجديد لسنة 2012، إذ إن هذا الأخير يؤكد على كون تصريح إصدار الصحيفة الورقية يقدم إلى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، فهل التصريح لإصدار الصحيفة الإلكترونية سوف يوجه كذلك إلى هذه السلطة؟

3)التنظيم القانوني للإعلام الإلكتروني في الكويت

لا تختلف التجربة الكويتية في تنظيمها للصحافة الإلكترونية عن تجارب بقية الدول العربية، ففي الكويت أكد مشروع القانون الإعلام الموحد، على أن من أهدافه دعم وتعزيز الحريات الإعلامية، ووضع قانون يلم شتات القوانين والقرارات الوزارية المبعثرة الخاصة بالمطبوعات من جهة, والإعلام المسموع والمرئي وكافة الأنشطة الإعلامية في قانون واحد و موحد، أي في إطار مدونة للإعلام، التي تشتمل على : قانون المطبوعات والنشر لسنة 2006. وقانون الإعلام المرئي والمسموع لسنة 2007 مضاف إليه قانون الإعلام الإلكتروني، من قنوات الكترونية ومواقع، ووكالات للأنباء.

لقد تضمن هذا القانون عقوبات بالحبس في حال المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم، أو الأنبياء والرسل، أو الصحافة، أو زوجات الرسول،وآل البيت، كما منع التعرض لشخص أمير البلاد وولي العهد، أو نسب أقوال وأفعال لهما، بغير إذن مكتوب من الديوان الأميري، أو ديوان ولي العهد، ورتب على ذلك غرامات مالية لا تقل عن 50 ألف دينار ولا تزيد على 300 ألف دينار كويتي، وتعرض ذات القانون إلى منع تحقير الأديان أو الإساءة إليها، كما منع المساس بالحياة الخاصة للموظف العام أو  المكلف بخدمة عامة، أو تنسب اليه أقوال وأفعال عارية من الصحة ، تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه.

وأعطى مشروع القانون هذا لوزارة الإعلام صلاحية الإغلاق الإداري لمعظم الأنشطة الإعلامية، كما أعطها صلاحية وقف أو حجب أي محتوى أو برنامج ,وأشار الفصل 9 منه الى أن ” الإعلام الإلكتروني وضوابط استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي”، من أجل ممارسته سيصبح على من يريد ذالك، الحصول على ترخيص مسبق لإنشاء أي موقع إعلامي أو أي دعاية أو إعلان الكتروني، مع اشتراط تعيين مدير كويتي يكون مسؤولا عن المحتوى.

وجهت انتقادات جمة لهذا القانون، على اعتبار أنه يتعارض مع المقتضيات الواردة في المادة 37 من الدستور الكويتي التي تؤكد على حرية الطباعة والنشر.كما يتعارض مع المادة 18 و 36 منه ، بل إن قانون الإعلام الإلكتروني في صيغته هذه , يلمس من خلاله تراجع الحريات، بالاضافة الى ذالك  يتناقض مع المعايير الدولية لحرية الإعلام، وهو في النهاية مكمم للأفواه، ، ثم إنه يتعارض مع حرية فضاء الإنترنت بتأكيده على تكاليف باهظة لاستصدار ترخيص إنشاء المواقع الإلكترونية.

لم ينص هذا المشروع صراحة على كونه يشتمل على المدونات الشخصية التي قد تتضمن أخبارا، ومقالات شخصية لصاحب المدونة، أو مقالات ينقلها عن غيره، لكنه في باب التعاريف يشير بوضوح للمدونات، ففي المادة : 1 يعرف كل من النشر  الإلكتروني، و”الموقع الإلكتروني”… يبدو من خلال هذا النص أن المدونات الشخصية مشمولة بأحكام هذا القانون، كما يبدو أن فيه   تعارض مع الدستور، و مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل مواثيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تؤكد على حرية الرأي والتعبير. إن حرية التعبير وفقا لهذه الوثائق , مكفولة للأفراد ولا يجوز أن يفرض على أي فرد ضرورة الحصول على ادن الحكومة قبل أن يصدر مدونته الشخصية، وإن تضمنت أخبارا ومقالات لغيره.

وترمي المادة 7 من ذات القانون المسؤولية على كاهل المسؤول عن الموقع الإلكتروني حول كلما ينشر في هذا الموقع، أليس من الأجدر بالقانون أن يرمي هذه المسؤولية على صاحب المقال أو الجهة التي صدر عنها البيان، إذ كيف يمكن أن يتحمل صاحب الموقع مسؤولية المخالفة، وهي لم تصدر عنه بل صدرت عن الغير.

ثم أن المادة 17 من قانون الإعلام الالكتروني قد سوّت بين الإعلام الإلكتروني والإعلام المطبوع حين جعلت المحظور واحدا في الحالتين رغم الاختلاف الكبير بينهما، من حيث طرق تناول المواضيع وصياغتها، أليس في ذلك ما من شأنه إلغاء قدرة الإعلام الإلكتروني على  التأثير اللحظي.

يتضح من خلال ما جاء به المشرع الكويتي من قواعد ومبادئ لتنظيم الصحافة الإلكترونية، مدى تأثره بالتطور الذي عرفته هذه الصحافة بصورة عامة على الصعيد العربي، فالتشريع الكويتي كما بقية التشريعات العربية  الأخرى ذات الصلة بالإعلام الالكتروني، تأثر بشروط تطور تكنولوجيات الإعلام الحديثة. وتأثر في الآن ذاته بواقع التحولات التي عرفها النظام العربي بعد الربيع العربي.

 

خلاصة عامة:

يستخلص من ما سلف أن النظام   القانوني  للصحافة العربية الالكترونية  مرتبطة بتطور النظام القانوني للإعلام الإلكتروني على المستوى الدولي،وهو بهذا المعنى شديد

الصلة بمختلف منعرجات الشروط السياسية التي مرت بها المنطقة العربية في علاقتها مع تطور وسائل الإعلام الإلكترونية، ووسائل الإعلام بصفة عامة، شددت هذه الدراسة على شروط وملابسات تقنينها، مع تبيان العلاقة الرابطة بين الإعلام الإلكتروني والإعلام السمعي البصري، والإعلام المكتوب. وطرحت من  بين  ما طرحت وجود توجهان داخل الدول العربية ، لهما  حضور  بارز  و مؤثر   في تنظيم  الإعلام  الإلكتروني، على النحو الآتي

التوجه الأول: وهو التوجه الغالب، والأكثر انتشارا، وقد سعى إلى إدراج هذه الصحافة من حيث التقنين والضبط  في خانة الصحافة التقليدية، فطبق عليها ما هو مطبق على هذه الاخيرة  و بالخصوص على  الصحافة المكتوبة.

التوجه الثاني: وقد سارت فيه أقلية قليلة من الدول،  بحيث أفردت لهذه الصحافة قانونا خاصا، كما أن هناك من الدول داخل التوجه الأول، من سعت إلى تأكيد الصحافة الإلكترونية في صلب دستورها. تجدر الاشارة الى ان  هنالك دولتين مرتا بحالة  الثورة  وهما: تونس ومصر،أشارتا الى ذالك بشكل واضح.

لم تقف الدراسة عند حدود تناولها للقانون الوطني الداخلي المنظم للصحافة الإلكترونية العربية، بل  ذهبت أبعد من ذالك، إلى البحث في أسس وعناصر قانون الانترنيت باعتباره من مشمولات هذه الاخيرة، وشددت على بعض مظاهر هذا القانون  وعلى عناصره، معتمدة على عدة وثائق عربية أهمها: القانون العربي الإتحادي النموذجي 2004 الصادر عن جامعة الدول العربية ، و الإتفاقية العربية لمكافحة الجرائم الإلكترونية بالإضافة الى وثيقة البث الإذاعي والتلفزي الصادرة  عن مجلس وزراء الإعلام العرب في سنة 2008.

وعلى العموم، فإن الدراسة أظهرت كيف حصل تطور في التعامل قانونيا مع الصحافة الإلكترونية العربية، انطلاقا من التنظيم الخجول لها، إلى التنظيم الكامل والشامل، مع التأكيد على اعتبارها، مثلها مثل الصحافة التقليدية، وخلصت الى الى ما يلي:

أ-لفهم قواعد قانون الإعلام الإلكتروني، في عمقها يجب البحث عن حقيقة هذه القواعد، و عن أهدفها، ومعانيها ومقاصدها، ليس في متن النص القانوني المنظم لها، بل في المحيط السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي في رحمه نشأت هذه  القواعد ، من ثمة يجب الرجوع إلى الشرط السياسي الذي في رحمه وضعت هذه القاعدة أو القواعد، من أجل إدراك معناها، ومقاصدها.

ب-صعوبة المواكبة التشريعية لتطورات تكنولوجية الإعلام الحديث، ذلك لأن هذه الأخيرة في تطور سريع ومدهش، في حين أن المواكبة التشريعية لها ضعيفة جدا، بسبب بطئ مسطرة صياغة القانون والمراحل التي يمر بها والقنوات التي يعبرها. وما يعتري العملية التشريعية من تعثر، بينما أن التكنولوجيات في تطور سريع.

ج-هناك اليوم ضرورة إلى وضع مدونة إقليمية عربية خاصة بالإعلام الإلكتروني تهتدي بها الدول عند وضعها لقوانين إعلامها الإلكتروني الداخلي، ما يفرض فصل الإعلام الإلكتروني عن الإعلام والنشر الورقي، خاصة ان بين الاعلامين اختلاف كبير كما ان  بينهما وبين الاعلام السمعي البصري إختلاف، ولكن مع ذالك فان الاعلام الالكتروني يشتمل في الآن ذاته على الثلاثة معا، فهو من جهة ينطبق عليه ما ينطبق على الاعلام  الورقي من حيث النشر، ومن جهة ثانية، ما ينطبق على الاعلام السمعي البصري، لإشتماله على الصوت والصورة والكتابة.

 كما أن هذه الدراسة شددت على كون  التشريع في حقل الإعلام الإلكتروني، وفي مجال الإعلام بصفة عامة ينبغي أن ينكب على فكرة التنظيم، وأن لا يسرف في النص على العقوبات لأن الدولة في نهاية الأمر هي سلطة منظمة، وليست سلطة جازرة، وعلى العموم ، فإنها أي الدولة تشرع وفقا لسلطتها على إقليمها، ولا يجوز لها أن تمد تشريعها لمواقع ليست ملكا لها، كما هو الحال فيما يخص المواقع الإلكترونية، إن هذه المواقع تبعا لاتفاقية التجارة العالمية ليست ملكا  لدولة حتى تمنع الناس من إنشاء حساباتهم فيها، لكن في المقابل قد يمكن للدولة أن تجرم المحتوى الإلكتروني مثلا، إن كان يتضمن ما قد يعتبر جريمة جنائية. ومن ثمة فإن منع إنشاء المواقع والحسابات إلا برخصة, فيه تجاوز لسلطات الدول  الأخرى ، على اعتبار أن شبكة الانترنت ليست ملكا لدولة بعينها.

 

 

لائحة المراجع

1) Phillippe Ambalard : Régulation de l’internet : l’élaboration des règles de conduite par le dialogue internormatif :

P 130 Bruylant- Bruxelles : 2004.

 

2) Michel Mathieu : Evolution de l’économie libérale et liberté d’expression Bruylant- Bruxelles : 2007 p :210.

3) فاروق أبو عيسى: الاتجاهات الدولية الحديثة في حرية الإعلام وحقوق الإنسان

مجلة دراسات إعلامية، عدد: 73، أكتوبر1993، ص75.

4) انظر المادة 38 من القانون المغرب الخاص بالطباعة و النشر الصادر في 3أكتوبر 2002.

رقم 77.00، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5075  بتاريخ 20 يناير 2003.

5) القانون الجزائري لسنة 2012 الذي أفرد بابا خاصا بالإعلام الالكتروني وهو الباب الخامس من القانون العضوي رقن 12-05 الصادر في 12 يناير 2012 بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية العدد: 02- بتاريخ 15 يناير 2012.

– وكذلك مشروع قانون  الإعلام المغربي الجديد منشور بموقع وزارة  الاتصال.

6) في السعودية هناك اللائحة التنفيذية الخاصة بالإعلام الالكتروني صدرت في عام 2011 عن وزارة الثقافة والإعلام السعودية تهم مشروع الإعلام الإلكتروني وتتكون من 20 مادة.

– كذلك الدستور المصري: أشارت المادة: 70 منه التي تشير إلى الإعلام  الالكتروني  دستور 2014.

7) شريف اللبان درويش:      الانترنت التشريعات والأخلاقيات

دار العالم العربي 2010 القاهرة , ص 149- 157.

(8Ouvrage collectif : Liberté de connexion, liberté d’expression, écologie dynamique des lois et règlements qui façonnent internet

Ed : UNESCO؛ 2012 p : 17-20.

9) André Bertrand : Droit a la vie privé et droits a l’imag

Ed.Litec : Paris-1999, p : 14-22.

10) عبد الله عبد الكريم عبد الله:     جرائم المعلوماتية والانترنيت ” الجرائم الالكترونية”

منشورات الحلبي الحقوقية : بيروت – لبنان 2007،ص: 124-136.

وتسمى هذه المعاهدة بمعاهدة المجلس الأوربي رقم 185 حول جرائم الفضاء السيبراني أو معاهدة بودابست بتاريخ 23  نونبر 2001 .

11) التوجيه الارشادي رقم: 95/46/EC الصادر عن البرلمان والمجلس الأوربي بتاريخ 24 أكتوبر 1995، كما أن هناك توجيه آخر رقم: 2002/58/EC الصادر عن البرلمان الأوربي بتاريخ 12 يوليوز 2002.

12) الدكتورة بولين أنطونيوس أيوب:   الحماية القانونية للحياة الشخصية: في مجال  المعلوماتية: دراسة         مقارنة :

منشورات الحلبي- بيروت لبنان، 2009، ص:304-308.

13) Claudine Guerrier et Marie Christine Monguet : Droit et sécurité des   télécommunications.

Ed : springer -2000p.151.

14) George Chatillon : le droit international de l’internet

Bruylant – Bruxelles, 2002 p :158.

15) عبد الفتاح بيومي حجازي: مكافحة جرائم الكمبيوتر والانترنت في القانون النموذجي العربي الموحد طبعة 2009 منشأة المعارف الإسكندرية ص:24-25.

16) علي كريمي: قوانين الإعلام المكتوب في دول المغرب العربي: الواقع والتحديات

منشورات الإيسيسكو 2011 .

17) قانون الصحافة والنشر المصري لسنة 1996.

18) ضمنها الحياة اللندنية، وجريدة الصباح المغربية، وتلتها جل الجرائد الورقية سواء منها الصادرة باللغة العربية أو بلغة أجنبية.

19) karénne. Chabriere : le statut et le régime  juridique applicable au cyber journaliste.

D.E.S.S, de droit de multimédias et de l’informatique, université Panthéon Paris II, 2002-2003,p :3.

 

20 ) Rainer Frank : l’enfant et les conventions internationales

Ed : PUF de Lyon 1996 p : 120-123.

 

كذلك أنظر علي كريمي: الشباب وتشريعات الانترنت العربية: جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال نموذجا

منشور على الموقع الإلكتروني للمركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق  الإنسان والإعلام

Site web :www.cmdhc.com

21) فاضل طلال العامري: حرية الإعلام في الوطن العري في ظل غياب الديمقراطية

هلا: للنشر والتوزيع 2011 ص 119-131.

22) اتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات صدرت عن جامعة  الدول العربية

بتاريخ 21 ديسمبر 2010.

23) نموذج الدستور المصري لسنة 2014 وخاصة المادة: 70 منه.

24) نماذج : الدستور المغربي لسنة 2011- والدستور الجزائري والدستور التونسي…ألخ

25) Perrine Canavagio, et alexandra Balafrej : Vers un droit d’accès à l’information public au Maroc.

UNESCO 2011, p 17-133.

26) Typhaine Lanuel- Zoé Simon – Mathieu payet : approche de droit comparé sur les réseaux sociaux Rapport pour la table ronde, «quels droit pour les réseaux sociaux ».

Faculté de droit- AïxMarseille 20 février 2014 p : 9-40.

أنظر

27) جوهر جموسى:             مدخل إلى قانون الانترنت والميلتيميديا.

تونس :الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم 2010، ص:138-143.

28) جوهر جموسى:     نفس المرجع، ص:139-140.

29) نفس المرجع: ص 149.

30) نفس المرجع: ص 150.

31) Pierre luc Lusseault ; Protection de la vie privée et medias sociaux a l’ère des megadonnées

Rapport : pour la 41eme législature, premier session – avril 2013-p 43-48.

32) Pierre luc Lusseault : op cit, p : 24-29.

Bonnard H : la répression de la cybercriminalité,                                 كذالك يراجع

JCP cahiers de droit de l’entreprise 2002 p 35.

33)Yassin EL Shazly : les droits de l’homme a l’épreuve de l’internet

Mémoire de Master, Faculté de droit et de science politique, 2006-2007, p 23-28.

34) سوسن زيادة: التعديلات المدخلة على قانون المطبوعات والنشر ترخيص المواقع الإخبارية، قيود قانونية وتشوهات بنيوية

https:/ iber.com/ 2014/11/neuws-webiste-in-jordanie #  c q= p w p z c p.

35) هناك غرفتان في محكمتين : هما المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، وغرفة في المحكمة الابتدائية بالرباط، كان مطلب إحداث الغرف للبت في قضايا الإعلام مطروحا منذ وقت طويل من قبل الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين.

56) latifa Echerki : la statut de la presse écrite contraintes légales et structurelles, et tentatives de reforme

Mémoire de fin d’étude ISIC 2007-2008 p 52.

36) كاظمة تنشر مشروع قانون الإعلام الإلكتروني الجديد: وزارة الإعلام الكويتية:

www.kathima.com/v/132459.

37) البرلمان الكويتي يصوت على قانون يقيد وسائل الإعلام الإلكترونية:

www.elwatannews.com  بتاريخ: الأربعاء 13/01/2016

الاخبار العاجلة