بمناسبة إعطاء الانطلاقة لمشروع “دور الإعلام في إحقاق المساواة بين الجنسين بالمغرب“، الذي ينجزه “المركز المغربي للدراسات والأبحاث في الإعلام وحقوق الإنسان” بشراكة مع “المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان”، نظّم المركز بقاعة الندوات ب”المعهد العالي للإعلام والاتصال” بالرباط، بتاريخ26فبراير2016، يوما تواصليا للتعريف بالمشروع وبالأهداف الإنمائية لما بعد2015، أعقبته ندوة افتتاحية حول” الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة” والمعروفة اختصارا بـ”سيداو”، والتي انطلقت أشغالها على الساعة الثالثة بعد الزوال قبل أن تختتم على الساعة السادسة والنصف مساء بحفل شاي.
وقد أطّرت الندوة مجموعة من التساؤلات التوجيهية، عبر أرضيتها، فمهّدت لفتح النقاش حول مضمون اتفاقية “سيداو” بالقياس الى غيرها من المواثيق وكذا التحديات التي تطرحها مضامينها فضلا عن مكانة مقاربة النوع الاجتماعي (الجندر) كفلسفة جديدة ومتطورة في تناول الحقوق الإنسانية للمرأة في هذه الاتفاقية؛ كما تساءلت الأرضية المذكورة عن واقع حال “مبدأ المساواة بين الجنسين” بالمغرب ومدى انساجمه مع أحكام الدستور ومع المعايير المتضمنة في اتفاقية “سيداو”، وحجم الاستجابة لتطلعات الحركة النسائية الوطنية، ومدى مسايرة الإعلام العمومي وصحافييه للسياسات العامة للدولة في الجانب المتعلق بإعمال مبدأ المساواة بين الجنسين؟
وتكفل الصحفي الصافي الناصري بإدارة وتنظيم النقاش، مذكّرا بالسياق الذي تندرج في إطاره الندوة، من منطلق أن إعطاء الانطلاقة لهذا المشروع في هذه الفترة يأتي بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يتم تخليده في الثامن من مارس من كل سنة.
بعدها اُفتتح اللقاء التواصلي الدكتور علي كريمي -رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان والإعلام- بإلقاء كلمة رحّب فيها بالحاضرين وشكر المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان على احتضانها وتمويلها لمشروع “دور الإعلام في إحقاق المساواة بين الجنسين بالمغرب”، موضحا أن المشروع سيوزع على خمسة أنشطة تتوج بدليل ودراسة تجمع جميع المبادرات السابقة.
ورغم تعدد وتراكم الدراسات في هذا المجال، يرى الدكتور على كريمي أن كل واحدة منها لها أعين وذاكرة وتوجّه خاص بها، ومن شأن تجميع هذا الشتات أن يدفع إلى تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
تناولت بعد ذلك الأستاذة نادية الكزومي– ممثلة المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان-كلمة أبرزت من خلالها أهمية دور المندوبية في الحث على الانخراط في منظومة قيم حقوق الإنسان كما نصت عليها المعاهدات الإقليمية والدولية، والتي انخرط فيها المغرب، إضافة إلى دورها في تتبع وتقييم مدى مراعاة حقوق الإنسان في القطاعات العمومية. كما شددت على ضرورة إدماج مختلف الشركاء بما فيهم المجتمع المدني في تكريس مبادئ دستور 2011، وتعزيز قدرات جميع الفاعلين من أجل تقوية أدائهم في مجال مناهضة التمييز بين الرجل والمرأة، وتكوين الإعلاميين حول مواضيع المساواة وحقوق المرأة لضمان أداء إعلامي ناجع.
أما أشغال الندوة فقد انطلقت بمداخلة باللغة الفرنسية للأستاذة ربيعة الناصري– وهي مناضلة حقوقية وعضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان- تطرقت من خلالها للإطار المعياري المتمثل في التشريعات التي تحمي حقوق المرأة والذي تمثل اتفاقيات “سيداو” أهم قواعده، قبل أن تبرز تطور مكانة المرأة في دستور 2011 خاصة الفصول 19 و 22 و 164 و 169 …
كما أكدت ربيعة الناصري، أن الاختلاف البيولوجي بين الذكر والأنثى لا يعني اختلاف القدرات بين الطرفين ولا يمكن أن يكون مطية لخلق نوع من التمييز وعدم المساواة والفوارق الاجتماعية بين الرجل والمرأة بل ينبغي التعامل معهما دون تمييز.
هذا ولفتت المتدخلة الانتباه إلى الدور السلبي الذي ظل يلعبه الإعلام في التمييز بين الجنسين من خلال ترسيخ مجموعة من الصور النمطية عن المرأة وأدوارها داخل المجتمع المغربي، في الوقت الذي يتحتم إعطاء صورة إيجابية عن المرأة ومكافحة تنميطها ونبذ المساس بكرامتها في وسائل الإعلام.
وأضافت المناضلة الحقوقية أن الفصل19 من الدستور الحالي لا يسعى فقط إلى تحقيق المناصفة في المشاركة السياسية بل في جميع مناحي الحياة.
من جهته، تناول الدكتور الحاج مسعود محمد – وهو أستاذ بكلية الحقوق عين الشق- في مداخلته موضوع “الحقوق الإنسانية للمرأة: من إنكار الوجود الإنساني إلى التمكين ومقاربة النوع الاجتماعي” بسط من خلاله تأصيلا تاريخيا للصورة النمطية التي كرستها مختلف الحضارات والديانات والاتجاهات الفلسفية حول وضعية المرأة…. موضحا أن التمييز ضد المرأة يعد أول اضطهاد عرفته البشرية واتخذ عدة أشكال وصل في بعض الحضارات إلى إنكار وجودها.
وجاء في تفاصيل مداخلته أن جميع الحضارات من البابليين إلى الرومان شأنها في ذلك شأن جل الديانات عرفت تمييزا ضد المرأة،.. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه من عصر الأنوار أن ينهض بحقوق المرأة حدث العكس حيث احتكر فيه الرجل الإنسانية واستبعدت المرأة حتى من إعلان حقوق الإنسان والمواطن… ولم تتم إعادة التفكير في قضايا المرأة إلا بعد الرجة الفكرية التي تلت عصر الأنوار والتي أنتجت، حسب المتدخل، ثلاث موجات امتدت الأولى من نهاية القرن 19 الى بداية القرن 20 وتميزت بالسعي إلى وقف حالة الاضطهاد التي تعاني منها المرأة، والمطالبة بحقوقها وتحسين أوضاعها…… في حين امتدت الموجة الثانية من ستينات إلى ثمانينات القرن العشرين وتميزت بالبحث عن الهوية الأنثوية والمطالبة بإعادة صياغة التاريخ، واللغة، والفلسفة، ، والفن، والأدب…؛ أما الموجة الثالثة والأخيرة فتمتد من تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، انتقلت فيها المطالب من الاهتمام الضيق بوضعية المؤنث إلى المطالبة بدمج المساواة بين الجنسين مع منظومة أشمل وهي المساواة بين جميع الناس.
كما سلط الأستاذ محمد الحاج مسعود الضوء في نهاية مداخلته على الاديولوجيات (اللبرالية، الاشتراكية والرادكالية ) التي أطرت الحركات النسائية مشيرا الى الاتفاقيات التي شكلت أرضية لاتفاقية “سيداو”.
أما الدكتورة بثينة قروري – وهي أستاذة بكلية الحقوق بمراكش-فقد تناولت في مداخلتها موضوع ” المناصفة بين الدستور وواقع الممارسة ” وأشارت نائبة رئيسة لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص بحزب العدالة والتنمية، إلى أن الآليات القانونية ليست كافية وحدها لتجاوز التراكمات السلبية التي تعاني منها المرأة، مؤكدة في معرض حديثها أن الأحزاب يجب أن تساهم بشكل أكثر جدية في هذا النقاش، ووصفت الثقافة السائدة في بعض الأحزاب بالممانعة بينما عملت أحزابا أخرى على إفراغ اللائحة الوطنية من مضمونها حين جعلت من المرأة مجرد رقم تتباهى به إعلاميا.
وحسب المتحدثة فإن تنزيل مبدأ المناصفة على الواقع في التجارب المقارنة، غالبا ما تعتريه مجموعة من الاكراهات والعوائق. ففي فرنسا مثلا وبعد 15سنة من إقرار مبدأ المساواة لم يتجاوز عدد رئيسات المجالس الجهوية 3 مقابل 10 رؤساء حسب ما أفرزته نتائج انتخابات دجنبر 2015،كما أن أغلبية الأحزاب السياسية في فرنسا لم تقم بوضع النساء على رأس اللوائح الانتخابية، أما في بريطانيا فاحتاجت إلى 80 سنة لإقرار المناصفة حسب دراسة اطلعت عليها المتدخلة. أما فيما يخص حالة المغرب فقد اعتبرته المتدخلة حديث العهد بمسألة التمييز الايجابي حيث بدأ بمحاصصة متوافق بشأنها سنة 2002 ولم يتم مأسسة التمييز الإيجابي إلا مع دستور 2011.
وتساءلت الأستاذة قاروري في متن مداخلتها حول المقصود بالمناصفة في دستور2011: هل هي آلية مؤقتة أم مبدأ دستوري؟ و إذا ما اعتبرت آلية مؤقتة هل سيصوت المجتمع على النساء في حال نفاد أجلها؟ منطلقة من الإشارة إلى أن اتفاقية “سيداو” في مادتها 3 و4 قد اعتبرت المناصفة من التدابير الاستعجالية والمؤقتة التي تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، والقوانين الداخلية اعتبرت المناصفة هدفا دستوريا.
وفي ختام مداخلتها أكدت الدكتورة بثينة قروري أن النضال الحقوقي يجب أن يطال منابع التمييز والمدخل القانوني لا يمكن الرهان عليه منفردا لتحقيق التغيير المنشود بل يجب استحضار مداخل أخرى ثقافية-اجتماعية.
من جهتها طرحت الصحفية رحاب حنان، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مستهل مداخلتها إشكالية ترتبط بمضمون الدستور الجديد الذي مازالت تتجاذبه قراءتان، إحداها تقليدانية والأخرى حداثية مما ينعكس سلبا على إحداث توافق حول مشروع المساواة بين الجنسين، كما انتقدت المتدخلة غياب إطار قانوني لمقاربة العنف ضد المرأة وتركيز المجلس الوطني للأسرة والطفولة على الأسر المنبثقة عن مؤسسة الزواج وإهماله لأشكال أخرى من الأسر كالأمهات العازيات…
وعن علاقة الإعلام بقضية المرأة ترى الصحفية رحاب أنه مازالت المطالب بتحسين صورة المرأة في الإعلام العمومي مطالب موسمية ومناسباتية واصفة صورة المرأة بأنها “جامدة ونكوسية أعادتنا إلى ما قبل دستور2011”.
وحول مدى الدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام في صنع رأي عام يلتزم بالمواثيق الدولية حول المرأة، ترى المتدخلة نفسها أن الإنتاج الإعلامي عاجز عن ترجمة هذا الدور موردة أمثلة عن بعض البرامج في القناة الثانية التي تقصي المرأة من المشاركة والظهور بمبررات واهية. كما وصفت تعامل الإعلام مع المرأة بالنمطي والانتقائي إذ غالبا ما يروج لظهور المرأة في برامج الطبخ أو بعض الوقائع التي تظهر فيها ضحية عنف أو اغتصاب ….بينما تغيب في البرامج الثقافية والسياسية والاقتصادية. وختمت مداخلتها بضرورة تجفيف منابع التمييز وبذل مجهود كبير في هذا المجال.
كما فُتح المجال للحاضرين لمناقشة مضامين المداخلات وتوجيه الأسئلة للمتدخلين، وقد شكلت هذه الأخيرة والتعقيبات قيمة مضافة للندوة.
جذير بالذكر أن علاقة المغرب باتفاقية “سيداو” مرّت من مرحلة التصديق المقترن ببعض التحفظات(1993) إلى مرحلة الرفع الجزئي للتحفظات(2011) وتعزيز النص الدستوري بمقتضيات تؤسِّس لمبدأ المساواة بين الجنسين (لاسيما الفصلان19و164)، وصولا إلى المصادقة على البروتكول الاختياري (2015/[مشروع القانون رقم12-125])؛ وتشكل الخطوة الأخيرة طفرة نوعية لصالح المرأة، فبموجبها يعترف المغرب بصلاحية لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (CEDAW) للبتّ، وفق شروط معينة، في التبليغات المقدمة من قبل أو نيابة عن أفراد أو مجموعات أفراد خاضعين لولاية الدول الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك لأي من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية، فضلا عن إمكانية تعيين عضو أو أكثر من أعضائها لإجراء تحريات وتقديم تقرير على وجه الاستعجال إلى اللجنة، والقيام بزيارة لأقاليم الدولة وبموافقتها متى استلزم الأمر.
تقرير: رشيد بودالي- تصوير: سارة عفيفي
تنسيق ومراجعة: د.حفيظ اركيبي